logo
#

أحدث الأخبار مع #مجتمع دولي

كيف فرضت قطر نفسها لاعبًا إقليميًّا وعالميًّا؟
كيف فرضت قطر نفسها لاعبًا إقليميًّا وعالميًّا؟

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • سياسة
  • الجزيرة

كيف فرضت قطر نفسها لاعبًا إقليميًّا وعالميًّا؟

في زمن يطغى فيه صوت المدافع على نداء السلام، تبرز قطر كنموذج فريد لدولة كبيرة في التأثير والحضور السياسي! نجحت الدوحة، عبر نظامها السياسي المحنّك، في أن تتحول إلى نقطة التقاء للمتخاصمين، ووجهة أولى لطالبي الوساطة والسلام، مثبتة بذلك أن ثقل الدول لا يُقاس بعدد الجنود ولا بمساحة الأرض، بل بعمق الرؤية ونضج السياسات. اعتمدت قطر على مزيج من الثبات والمرونة في سياساتها الخارجية، حيث بقيت على مواقفها المبدئية دون أن تنجرّ وراء الانفعالات أو الاصطفافات العقيمة. هذا الثبات منحها ثقة المجتمع الدولي، ليس فقط على مستوى الحكومات، بل حتى على مستوى الشعوب. وبلا دعاية مباشرة، تمكّنت من ترسيخ صورة ذهنية إيجابية عنها في اللاوعي الجمعي العالمي، كدولة تسعى إلى التهدئة لا التصعيد، إلى البناء لا الهدم. ومنذ سنوات، تمارس قطر دورًا محوريًّا في رأب الصدع وإنهاء الخلافات، لا سيما في المنطقة العربية التي عانت -ولا تزال- من ويلات النزاعات والانقسامات. لم تكن الوساطات القطرية مجرد تحركات دعائية، بل كانت مبادرات جادة ومثمرة في عديد من الملفات، من لبنان إلى السودان، ومن أفغانستان إلى غزة، حيث سعت لإطفاء نار الفتنة وإحلال التوافق.. هذا الدور لم يكن سهلًا، لكنه كان مدروسًا ومحسوبًا بدقة، يعكس إدراكًا عميقًا لتعقيدات الواقع الإقليمي والدولي. تقوم السياسة القطرية على مبادئ الاحترام المتبادل، وعدم التدخل السلبي في شؤون الآخرين، مع ممارسة نوع من "التدخل الإيجابي" حين تدعو الحاجة إلى إصلاح ذات البين، أو حماية المدنيين من تبعات النزاعات. بهذا الأسلوب، لم تدخل قطر في خصومات عبثية، بل كسبت احترام خصومها قبل أصدقائها، وأصبحت طرفًا مقبولًا في طاولات التفاوض حتى من قِبل الذين لا يتوافقون مع سياستها. من اللافت أن قطر استطاعت توظيف مواردها وقدراتها بطريقة إستراتيجية تخدم رؤيتها الكبرى، لا سيما في مجالي الإعلام والدبلوماسية؛ فوسائلها الإعلامية مارست دورًا مهمًّا في إبراز الحقائق وإعطاء صوت للمهمّشين، بينما عملت دبلوماسيتها الهادئة -بعيدًا عن الضجيج- على بناء علاقات متوازنة مع الجميع، من الشرق إلى الغرب. وبينما انشغلت دول كثيرة في بناء ترساناتها العسكرية أو فرض نفوذها بالقوة، كانت قطر تبني لنفسها مكانة ناعمة لكنها راسخة، قائمة على الكلمة والموقف والنية الصادقة. لم تسعَ لأخذ دور أكبر من حجمها الجغرافي، لكنها نجحت في أن تكون أكثر تأثيرًا من كثير من الدول الكبرى في ملفات السلام والمصالحة. إن التجربة القطرية تقدم اليوم درسًا مهمًّا: لا يشترط أن تكون الدولة عظمى لتكون مؤثرة، بل يكفي أن تكون دولة ذات رؤية، ثابتة على مبادئها، حريصة على مدّ الجسور لا بناء الأسوار. وبهذا المعنى، تُعد قطر قصة نجاح سياسي في زمن تعقّدت فيه الحسابات، وتراجعت فيه القيم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store